وأخيرا نفّذ المقدر وتحقق المنتظر، وصار القيادي المخضرم في “التيار الوطني الحر” ونائبه عن دائرة بعبدا الان عون خارج الإطارين (قيادة التيار وعضوية تكتله النيابي) مفصولا بقرار معلل وموقع من رئيس التيار النائب جبران باسيل ومدعوما بقوة بموجب تصريح صريح من الزعيم المؤسس للتيار الرئيس ميشال عون.
عملية الفصل لم تشكل مفاجأة لأي متابع، إذ إن السطور الأولى لسردية الفصل كتبت بعيد أيام من آخر جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، وقد ظهر خلالها أن المرشح الثابت للثنائي الشيعي سليمان فرنجية نال أصوات ما يقدر بنحو ثمانية نواب مسيحيين من غير النواب المحسومين والمضمونين أصلا لفرنجية، وعلى الاثر انطلقت رحلة البحث والتقصي عن هوية هؤلاء الثمانية. وسرعان ما وضع اسم النائب الان عون في عداد لائحة المصوتين لفرنجية خلافا لقرار تكتله الذي قرر التصويت لمصلحة مرشح “التقاطع” الوزير السابق جهاد أزعور.
ومنذ ذلك الحدث تركز الكلام في أوساط التيار على ضرورة معرفة هويات “المخالفين” والمسارعة تاليا إلى “معاقبتهم” وإسقاط عضويتهم من التيار وتكتله النيابي إن اقتضى الأمر.
فاتحة تنفيذ هذا القرار كانت بفصل نائب رئيس مجلس النواب وعضو تكتل “لبنان القوي” الياس بو صعب. وكما هو معلوم مرّ الأمر بسلاسة، فالمفصول للتوّ ليس من رعيل “المناضلين الأوائل المؤسسين” بل هو من رعيل “الأنصار” الذين التحقوا بركب التيار مستندين إلى حيثية سياسية كانت لهم في منطقة المتن، وأعطى التحاقه بالتيار قيمة مضافة لأنه لم يأت إليه من المجهول، إذ إن له قاعدته المستقاة من علاقته بالحزب السوري القومي الاجتماعي، إضافة إلى أنه شغل سابقا منصب رئيس بلدية ضهور الشوير وله فيها إنجازات عمرانية وإنمائية.
لكن الوضع كان مختلفا تماما عندما بدات الأنظار والأصابع تتجه إلى النائب عون، وتضعه في دائرة المرشحين المحتملين للفصل من عضوية التيار، تحت عنوان التمرد والعصيان ومخالفة النظام الداخلي. فعدا عن درجة القربى التي تربط النائب عون بمؤسس التيار (ابن شقيقته)، فإنه من جيل المؤسسين الذين لهم بصماتهم ومواقفهم المشهودة ، عدا عن كونه قادرا على تقديم أطروحة نظرية مقنعة وممنهجة دفاعا عن التيار وأدائه السياسي، إلى مزية أخرى هي أن الرجل مقدر ومحترم في الوسطين السياسي والإعلامي.
وبناء على كل هذه الاعتبارات تدرجت عملية فصل عون من التنظيم واستغرقت نحو ثمانية أشهر، وأكثر من ذلك، استلزمت عملية “الإجهاز” عليه تنفيذ مخطط متدرج، بدأ بتوجيه أصابع الاتهام إليه بشبهة “خرق الأنظمة الداخلية للتيار”، والتي توجب إخضاعه للمساءلة أمام “مجلس الحكماء” الذي يرأسه الرئيس عون. لكن النائب عون آثر بهدوء عدم الاستجابة ورفض الامتثال أمام تلك الهيئة الحزبية العليا.
المصدر: ابراهيم بيرم “النهار”