الفضول هي صفة متعلقة بالتفكير الفضولي مثل الاستجلاء والبحث والتعلم، ويتضح من خلال الملاحظة لدى الإنسان والعديد من أنواع الحيوانات. ويمكن استخدام المصطلح أيضًا للدلالة على السلوك ذاته الناجم عن عاطفة الفضول. ونظرًا لأن هذه العاطفة تمثل تعطشًا للمعرفة، فإن الفضول يُعتبر قوة دافعة رئيسية وراء إجراء الأبحاث العلمية وغيرها من مجالات الدراسات الإنسانية الأخرى.
فقد شهد فريق بحثي في معهد زوكيرمان بجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة لأول مرة ما يحدث في دماغ الإنسان عندما تنشأ مشاعر الفضول، وكشف العلماء في الدراسة -التي نُشرت في مجلة علم الأعصاب في 5 يوليو/تموز الحالي- مناطق الدماغ التي يبدو أنها تُقيّم درجة الشك في المشاهد البصرية الغامضة، مما يؤدي إلى ظهور مشاعر الفضول.
تقول الدكتورة جاكلين جوتليب الباحثة الرئيسية في معهد زوكيرمان وأستاذة علم الأعصاب في كلية الأطباء والجراحين بجامعة كولومبيا والمعدة الرئيسية للدراسة: “للفضول أصول بيولوجية عميقة”.
ووضحت أن الفائدة الرئيسية للفضول هي تشجيع الكائنات الحية على استكشاف العالم من حولها بطرق تساعدها على البقاء. أما ما يميز الفضول البشري وفقا للدكتورة جوتليب فهو أنه “يدفعنا للاستكشاف بشكل أوسع بكثير من الحيوانات الأخرى، وغالبا لمجرد أننا نريد معرفة الأشياء وليس لأننا نسعى للحصول على مكافأة مادية أو لتحقيق فائدة ما، وهو الأمر الذي يؤدي إلى الإبداع”.
الثقة والفضول.. علاقة عكسية
ولكشف مناطق الدماغ المتورطة في مشاعر الفضول، قدم فريق البحث للمشاركين صورا لأشياء مثل حصان البحر أو ضفدع أو دبابة أو قبعة، وقاموا بتشويهها بدرجات مختلفة لتصبح أكثر أو أقل وضوحا.
وطلب الباحثون من المشاركين تقييم ثقتهم وفضولهم تجاه كل صورة، ووجدوا أن التقييمين كانا مرتبطين عكسيا، فكلما كان المشاركون أكثر ثقة في أنهم يعرفون ما في الصورة، كانوا أقل فضولا بشأنها. وبالعكس، كلما كانوا أقل ثقة في أنهم يستطيعون تخمين ما هي الصورة، كانوا أكثر فضولا بشأنها.
ماذا يحدث عندما نشعر بالفضول؟
استخدم الباحثون في الدراسة تقنية غير جراحية تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تُستخدم على نطاق واسع لقياس التغيرات في مستويات الأكسجين في الدماغ لدى 32 متطوعا، وأتاحت هذه التقنية للعلماء تسجيل كمية الأكسجين التي تستهلكها أجزاء مختلفة من أدمغة المشاركين أثناء مشاهدة الصور. ومن المعلوم أن استهلاك كميات أكبر من الأكسجين في منطقة معينة في الدماغ يعني أن هذه المنطقة أكثر نشاطا.
وأظهرت بيانات مسح الدماغ نشاطا عاليا في القشرة القذالية الصدغية، وهي منطقة تقع فوق الأذنين، والمعروف عنها منذ فترة طويلة أنها تشارك في الرؤية والتعرف على فئات الأشياء.
وتوقع الباحثون بناء على معرفتهم من خلال الدراسات السابقة، أنهم عندما قدموا للمشاركين صورا واضحة فإن هذه المنطقة ستُظهر في الدماغ أنماط نشاط مميزة للأشياء الحية وللأشياء غير الحية. وقالت الدكتورة جوتليب: “يمكنك التفكير في كل نمط كباركود يحدد فئة الصورة”.
واستخدم الباحثون هذه الأنماط لتطوير أداة لقياس مدى عدم اليقين في هذه المنطقة القشرية عن فئة الصورة المشوشة. فعندما كان المشاركون أقل فضولا بشأن الصورة، كانت نشاطات القشرة القذالية الصدغية تشير إلى رمز واحد يشبه الـ “باركود”، كما لو أنها حددت بوضوح إذا ما كانت الصورة تنتمي إلى الفئة الحية أو غير الحية. وعلى النقيض، فإن المشاركين عندما كانوا أكثر فضولا، كانت القشرة القذالية الصدغية تظهر خصائص كلا الرمزين، كما لو أنها لم تستطع تحديد فئة الصورة بوضوح.
كما نشطت خلال عرض الصور المشوشة منطقتان في مقدمة الدماغ: الأولى هي القشرة الحزامية الأمامية التي أشارت دراسات سابقة إلى أنها تشارك في جمع المعلومات، والثانية هي القشرة الأمامية الجبهية البطنية التي تشارك في مراقبة الإدراكات الذاتية للشخص عن القيمة والثقة في المواقف المختلفة.
وفي الدراسة الجديدة، كانت كلتا المنطقتين أكثر نشاطا عندما أفاد المشاركون بأنهم أكثر ثقة في معرفة ما في الصورة، وبالتالي أقل فضولا لرؤية الصورة الواضحة.
الفضول والاكتئاب
وتؤكد الدكتورة جوتليب أن “هذه هي المرة الأولى التي يمكننا فيها ربط الشعور الذاتي بالفضول عن كيفية تمثيل دماغك لهذه المعلومات”.
وقد يكون للنتائج -وفقا للدكتورة جوتليب- دلالات تشخيصية وحتى علاجية لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب أو اللامبالاة أو فقدان المتعة، وهي حالات غالبا ما تتسم بنقص الفضول.
وتذكر الدكتورة جوتليب أن “الفضول ينطوي على نوع من الحماسة والاستعداد لإنفاق الطاقة وهو مدفوع ذاتيا، مما يعني أنْ لا أحد يدفعك لتكون فضوليا، فأنت فضولي فقط بناء على الأمل في أن يأتي شيء جيد عندما تتعلم، وهذه فقط بعض الأشياء المدهشة عن الفضول”.
المصدر :الجزيرة