كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
وضع القضاء اللبناني يده على أزمة الكهرباء، وإغراق البلاد في الظلام الشامل قبل 3 أيام، ما تسبّب بإرباك القطاعات الحيوية كافةً، وأهمّها مطار رفيق الحريري الدولي، والمستشفيات الحكومية، وقصور العدل، والسجون؛ إذ تسلّم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار، كتاباً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، طلب فيه الأخير “إجراء تحقيق قضائي بالسرعة القصوى مع كل الأشخاص المعنيين بهذه الأزمة من دون استثناء، وذلك في سبيل ترتيب المسؤوليات بناءً على نتائج التحقيقات”.
وكشف مصدر قضائي مطلع لـ”الشرق الأوسط”، أن الحجّار “اطّلع عن كثب على كتاب رئيس الحكومة، وسيحدّد خلال الساعات المقبلة مواعيد لجلسات تحقيق، تشمل كلّ الأشخاص الواردة أسماؤهم في كتاب رئيس الحكومة”، مؤكداً أن النائب العام التمييزي “وضع لائحة بأسماء من سيستدعيهم، بينهم رئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان المهندس كمال الحايك، وأعضاء مجلس الإدارة وموظّفون، من دون استبعاد استدعاء وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض”.
وشدّد المصدر على أن التحقيق “سينتهي إلى تحديد المسؤولين عن الأزمة التي أدخلت البلاد في العتمة الشاملة، واتخاذ إجراءات صارمة”.
وعمّا إذا كانت هذه الإجراءات ستلحظ توقيفات، اكتفى المصدر القضائي بالقول: “كل شيء وارد، والأمور مرهونة بنتائج التحقيق، وبتحديد الأشخاص المسؤولين عن هذه الأزمة”.
كتاب رئيس الحكومة
وحمّل كتاب ميقاتي مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء وخصوصاً رئيسه ووزير الطاقة، المسؤولية عمّا وصلت إليه الأمور، وتوقُّف كامل معامل الإنتاج عن العمل بشكل مفاجئ بسبب نقص مادة الفيول والغاز أويل.
وأشار رئيس الحكومة في كتابه إلى أنه “على الرغم من تجاوب مجلس الوزراء مع طلب وزير الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان بشراء كميات من مادة الفيول العراقي، بعد إيداع جزء من ثمن هذه المواد في حساب مؤسسة كهرباء لبنان لدى البنك المركزي، فوجئ رئيس الحكومة بأن مجلس إدارة المؤسسة لم ينعقد لتنفيذ الاتفاق، وشراء كميات كافية من الفيول والغاز العراقي، وذلك بسبب سفر رئيس مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء كمال الحايك إلى الخارج (لقضاء إجازته الصيفية)، وأن الأخير قطع تواصله نهائياً مع الجميع، ولم يفوّض أياً من أعضاء مجلس الإدارة بالصلاحيات المالية، علماً بأنه كان يفترض بمجلس إدارة الكهرباء أن ينفذ التدابير التي تم الاتفاق عليها بصورة طارئة -تفادياً للوقوع في الظلمة الشاملة، مع ما ينتج عن ذلك من ضرر مباشر للمواطنين والمرافئ العامة- من خلال مقرّرات خلال أداء مجلس إدارة الكهرباء صاحب الصلاحية في اتخاذ القرارات الإدارية”.
وشدّد ميقاتي في كتابه على أنه “على الرغم من موافقة مجلس الوزراء على الصيغة التي وضعها وزير الطاقة، بالاتفاق مع مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، والخطوات التي سيتم اتخاذها لتجنب الوقوع في العتمة الشاملة وتوقّف قطاعات حيوية عن العمل، فإن الوزارة والمؤسسة لم يتخذا الإجراءات الكفيلة بتجنّب الأزمة”.
مشكلة إهمال المسؤولين
ولا تزال أزمة الكهرباء تتفاعل سياسياً وشعبياً، وأوضح مصدر وزاري لـ “الشرق الأوسط”، أن “المشكلة ليست مشكلة تأمين الفيول ولا تمويل، بل مشكلة إهمال المسؤولين عن ملف الكهرباء الذين لا يبالون بمصالح الدولة والشعب اللبناني”، مشيراً إلى أن هذه المشكلة “برزت منذ منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي، إلّا أن الرئيس ميقاتي أخذها على عاتقه، وزار بغداد والتقى نظيره العراقي محمد شياع السوداني، ونجح في حلّ أزمة إمداد لبنان بالفيول العراقي، بينما لا مبالاة وزير الطاقة ومدير عام كهرباء لبنان أوقعت اللبنانيين في الأزمة”.
ورأى المصدر الوزاري أن المسؤولية “لا تقع على عاتق وزير الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان فحسب، بل نتيجة خلافات داخل الفريق السياسي الذي ينتمي إليه الوزير فياض (التيار الوطني الحرّ)، وللأسف الناس تدفع ثمن هذه الخلافات”.
مشاريع الطاقة المتجددة
وفي متابعة لملفّ الكهرباء، التقى ميقاتي في السراي الحكومي، مدير منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه، بحضور وزير الطاقة وليد فياض، ومستشار رئيس الحكومة الوزير السابق نقولا نحاس، وبعد اللقاء قال فياض: “تم البحث في استكمال برنامج البنك الدولي بتمويل المشروع المتعلق بالطاقة المتجددة، وتدعيم أنظمة كهرباء لبنان الذي يبلغ حوالى 250 مليون دولار، لتطوير هذا القطاع، بوصفه جزءاً من استراتيجية البنك الدولي للاستثمار في 3 قطاعات أساسية، وهي: الطاقة والمياه والرقمنة”.
انتقاد سياسي
من جهته، قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في بيان: “مجدّداً، يُلهينا وزير الطاقة والمياه، حيث لا طاقة ولا مياه، بخبر عن فيول من دولة الجزائر، وبخبر آخر عن فيول من دولة العراق، واهماً اللبنانيّين بأنّ الحل لأزمة انقطاع الكهرباء سيأتي من الدولتين الشقيقتين مشكورتين، في حين أنّ الشعب اللبناني، الذي تتواصل معاناته منذ 15 عاماً، شَهِدَ على وعود كثيرة مماثلة، وعلى هدر مليارات الدولارات على هذا القطاع من دون نتيجة”.
وأضاف جعجع: “كم من وعود أُطلقت، وكم من البواخر المحمّلة بالفيول استُجلِبت، وكم من المؤتمرات عُقدت، وكم من الأموال هُدرت، وذلك كله لم يُنتِج سوى واقع واحد، وهو انهيار القطاع، وعتمة ما بعدها عتمة، ومعاناة متواصلة لجميع اللبنانيّين”.
وختم: “لقد طفح الكيل من مجمل هذا المسار المأساوي، فالمطلوب الانتقال فوراً إلى حلّ جذري، لا يكون إلا بإشراك القطاع الخاص في توليد الكهرباء وبيعها، كما في أكثرية دول العالم المتحضّر، وأي مماطلة أو تأخير لن يُشكّل سوى مزيد من إغراق اللبنانيّين بالعتمة والعجز والعذابات”.