المنطقة من غزة إلى لبنان وصولاً إلى إيران في مهبّ احتمالات وسيناريوهات مجهولة، وفي موازاة هذا المشهد المعقّد، مشهد يبدو أنّه أكثر حساسيّة وتعقيداً، تعكسه الإنتخابات الرئاسيّة المقرّرة اليوم في الولايات المتحدة الأميركيّة، التي تشهد منافسة غير مسبوقة في توترها وحماوتها وكلفتها بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. وأنظار العالم بأسره مركّزة في الاتجاه الأميركي رصداً لهذه الانتخابات وتداعياتها في الداخل الأميركي، وارتداداتها على مساحة العالم، ومنطقة الشرق الاوسط على وجه الخصوص.الميدان الحربي ذروة في الاحتدام، وباتت المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين، والتدمير العشوائي الجهنمي للبنى المدنيّة في المدن والقرى والبلدات اللبنانية روتيناً يوميّاً لآلة القتل والدمار الإسرائيليّة. وفي موازاة ذلك مواجهات عنيفة من قبل «حزب الله» للعدوان الإسرائيلي، واستهدافات صاروخية مكثفة لمواقع وقواعد وتجمعات الجيش الاسرائيلي، وللمستوطنات والمدن في العمق الاسرائيلي. فيما أعلن الجيش الإسرائيلي عن إصابة 30 جندياً بجروح خلال الساعات الـ24 الماضية.
وفي أفق هذه المواجهات، تلوح احتمالات تصعيدية كبيرة، سواء على ساحة لبنان، مع الإنسداد الكلّي لمسارات الحل السياسي ومحاولات فرضه بالشروط الإسرائيلية، وتوازيه مخاطر كبرى مع التدحرج المتسارع للجبهة العسكرية بين إيران وإسرائيل نحو الاشتعال على نحو قد يفتح على حرب واسعة تمتد نارها على مساحة المنطقة برمتها، ربطاً بإعلان إيران بأنّها ستردّ بقوة وبوتيرة مؤلمة على الضربة الإسرائيلية، وأنّها حدّدت أهدافها في الداخل الإسرائيلي، وبالإستعدادات العسكرية لمواجهته، والتهديدات العالية السقف التي تواكب تقديرات اسرائيلية واميركية وغربية بأنّ الردّ الايراني بات مؤكّداً ووشيكاً.
سياسياً، أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس، لقاءات مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي؛ سفيرة الولايات المتحدة الاميركية ليزا جونسون، سفير روسيا الكسندر روداكوف، سفير الصين تشيان مينجيان، سفير فرنسا هيرفي ماغرو، القائمة بأعمال السفارة البريطانية فيكتوريا ديون، وسفيرة الاتحاد الاوروبي ساندرا دو وال.
وخلال تلك اللقاءات أكّد ميقاتي أنّ «تمادي العدو الإسرائيلي في عدوانه على لبنان والجرائم التي يرتكبها قتلاً وتدميراً، هي برسم المجتمع الدولي الساكت على ما يجري، في الوقت الذي ينبغي ان تمارس الدول التي تحمل لواء الإنسانية وحقوق الإنسان أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف عدوانها».
وقال إنّ «الحكومة اللبنانية أعلنت صراحة التزامها بالقرار 1701، وعزمها على تعزيز الجيش في الجنوب، ورحّبت بكل المواقف التي تدعو الى وقف اطلاق النار، الّا انّ العدو الإسرائيلي انقلب على كل الحلول المقترحة ومضى في جرائم الحرب بحق مختلف المناطق اللبنانية، وصولاً الى استهداف المواقع الأثرية، وهذا بحدّ ذاته جريمة اضافية ضدّ الإنسانية ينبغي التصدّي لها ووقفها».
أضاف: «إننا نجدد مطالبتنا بالضغط لوقف العدوان تمهيداً للبحث في السبل الكفيلة بتطبيق القرار 1701 بحرفيته وكما أُقرّ، من دون أي إضافات أو تفسيرات».
ولفت إلى «أنّ الحكومة اتخذت في جلسة سابقة قراراً بتعزيز وجود الجيش وتطويع عسكريين، وفي الجلسة المقبلة أيضاً سنبحث في بعض الخطوات التنفيذية لدعم عملية تطويع 1500 عنصر لصالح الجيش». وشدّد رئيس الحكومة على «ضرورة الضغط على إسرائيل لتحييد المدنيين والطواقم الطبية والإسعافية عن الاستهداف».
وسلّم ميقاتي السفراء تقرير وزارة الصحة بالأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي نتيجة الغارات الاسرائيلية. كما سلّمهم رسالة اكّد فيها انّ العدوان الإسرائيلي المستمر، وخصوصاً الهجمات على مدن مثل بعلبك وصور، أدّت الى نزوح قرى بأكملها وتهديد مواقع تراثية وثقافية لا تُقدّر بثمن». ولفت إلى أنّ «الحكومة تدين بشدة هذه الأعمال التي تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ، وتعرّض حياة المدنيين الأبرياء للخطر، ونحن ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار ولوقف العنف العبثي وحماية التراث الثقافي لبلادنا، بما في ذلك المواقع الأثرية القديمة في بعلبك وصور». وطالب «مجلس الأمن باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لحماية هذه الكنوز التاريخية التي لا تشكّل جزءًا من هويتنا الوطنية فحسب، بل إنّها تحمل أيضًا أهمية باعتبارها معالم تاريخية عالمية. ومن الضروري أن نعمل معًا لضمان الحفاظ على هذه المواقع للأجيال المقبلة». وقد طلب رئيس الحكومة من وزارة الخارجية تعميم نص الرسالة أيضاً على الاعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن».